كنوز اسلامية admin
عدد الرسائل : 3804 العمر : 32 بلدك : مصر السٌّمعَة : 1 نقاط : 5028 تاريخ التسجيل : 21/10/2007
| موضوع: القدوة قبل الدعوة السبت مارس 14, 2009 5:42 am | |
| القدوة قبل الدعوة د. ندى بنت عبد العزيز اليوسفي أمسكَت بيدي طبيبة من إحدى الدول الإسلامية وأجلستني وسألتني وجدّت في السؤال!، لماذا النّاس هنا منافقون؟!، هالني السؤال، فُوجِئتُ بِهِ، أطرقتُ صامتة، ثم نظرتُ إليها طالبةً الفهم والاستيضاح، فالنفاق حكمٌ خطير لهُ ضوابطه، فكرَّرَتِ السؤال، وأتبعتْهُ بجملٍ متلاحقة، لا أحد يمتثل تعاليم الإسلام وسماحته، هالني ما رأيتُ في قسمنا من صراعاتٍ وتزلّفات وعدم إخلاص في العمل، لماذا الزميل يضيّق على زميله و كأنهما في حلبة صراع، ينتظر كل منهما الفرصة لينقضّ على الآخر، وسردت لي من المواقف والصور ما ضاقت بهِ نفسي، أبدعتُ في الدّفاع، و بيّنت لها أن هذه حالات شاذّة، ولا تمثّل الدين ولا البلاد، وضربتُ لها الأمثلة بفلان وفلانة ممن طاب ذكرهم وحسُنَ بين الناس منهجهم وسيرتهم و أثمرت إنجازاتهم وأثنى عليهم زملاءهم، ولم تقتنع!، وحُقّ لها ذلك! الكلّ يرى في أبناء الحرمين صيانة الدين وتمثيله و تطبيقهِ، تتوق أنفسهم لرفقتهم والتعلم منهم، فماذا ستكون ردّة الفعل عندما ينصدم أحدهم بصور عجيبة ومؤلمة متناقضة؟!، إذا كان هذا انطباع مسلمة عن أخوةٍ لها مسلمين ونفورها منهم، فنفور الكافر من باب أولى وارد جداً! قاعدتنا في كل مكان وزمان أنّ فاقد الشيء؛ لا يعطيه، وهل ننتظر ممن لم يُحسِنوا لأنفسهم بتربيتها و دعوتها لمحاسن الأخلاق وجميل التعامل وسامي التواصل مع الآخرين أن يُحسنوا لغيرهم وأن يوصلوا الدعوة لهذا الدين لمن يحتاجها في أصقاع المعمورة فضلاً عن زملائهم المُخَالِطِين..؟! ما رأيتُ أخطر على الأمة من فقراء الأخلاق، ولا رأيتُ أخطر عليها، ولا أشدّ تنفيراً من الدين؛ إلا من ساءَت منهُمُ الأخلاق وهم يحسبون أنهم يُحسنون عملاً..! تطرّف البعض في وصفِ التديّن والاستقامة، فهم في التصنيف على طرفي نقيض، و تعدّدت المفاهيم واختلفت من بلدٍ إلى بلد، و وقع الصراع بين أنصار الجوهر و المتمسكين بأهميّة المظهر، والحق أن الإسلام اهتمّ بالجانبين وأولى كلاً منهما عناية فائقة و ارتبطت أحكام شرعية أصيلة بكلٍّ منهما، فالشخص المتديّن، شخص يملأ قلبه عقيدة صحيحة يعمل بأركانها، ويمتثلها في حياته، ويقوّم من أجلها نهجه، وتصدقها كلماتهُ ومظهره، تلتمس من كلماته عُمق الحماس والاعتزاز بالإسلام والغيرة على شعائر الدّين، داعية ميداني لا يترك طرق أي باب خيرٍ أنّى وُجِد، وبين هذا وذاك، يتقلّب بين الخوف والرجاء. ولا يهدأ له بال حتى يُبَشّر بالقبول، ويرى كتابه باليمين، وتقرّ عينه بالرسول..! أمة الإسلام في مرحلة تحتاج فيها أن تصل للجميع صورة الشخص المسلم المتديّن كأحسن ما تكون، كما أرادها له الإسلام، الصورة التي ستمكّننا من نشر هذه الدعوة و هداية الناس و دعوتهم إلى الاستقامة، الأمة في مرحلة خطيرة ومنعطفات أخطر، تقاسي الجرح بعد الآخر، لم يعد هناك وقتٌ إلا لصادق الفعال، وتحقيق سامي المقال، وامتثال الإسلام عقيدةً، وخُلُقاً، وسمتاً، وتعاملاً، وحديثاً. هذا الالتزام الخُلُقي هو الذي فتح الدنيا بفضل الله تعالى، وأوصل الإسلام إلى أقاصي العالم. ولن يتأتّى لنا ذلك إلا إذا بدأ كل فردٍ بنفسه، فهذبها واستكمل فضائلها، ونقّاها من رذائلها وشوائبها، وربّاها كأحسن ما تكون التربية، روّضها في رياض الطاعة، وهذا الدرب ولا غيره هو ما سيوصل الأمة بفضل الله إلى القيادة والريادة، وينشر دعوة الإسلام في أصقاع الأرض. أرشد الإمام الشافعي مؤدِّب أولاد هارون الرشيد فقال: "ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاح نفسك، فإن أعنّتهم معقودة بيدك، فالحسن عندهم ما استحسنته، والقبيح عندهم ما تركته"، والأجمل قول أحدهم: "كونوا عبّادًا قبل أن تكونوا قوّادًا تصل بكم العبادة إلى أحسن قيادة". ولو تأمّلنا دعوة الرُسل السابقين، وكيف يبعث الله من القوم أحسنهم أخلاقاً، ومن عُرِفوا بين قومهم بالصدق والأمانة، فالمتلقّي متى شعر بالراحة والاطمئنان والثقة بمن يدعوه فسيقبِل عليه، وفي أقل الأحوال لن ينفُر منه. ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى لكل هذا؛ فقد أدّبه ربه فأحسن تأديبه، و اعتصم صلى الله عليه وسلم بالحلم، والصبر على الأذى، وخفض الجناح، والرفق، وحسن المعاملة - مع قوة الشخصية - والمهابة العلمية. فبلغت دعوته ما بلغت، وبلغت محبته في القلوب ما بلغت. وهذا معاذ رضي الله عنه قبل أن يبعثه صلى الله عليه وسلم لدعوة الناس، حدّد له ما يجب أن تكون عليه شخصيته، فأوصاه بتقوى الله، وصدق الحديث، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وترك الخيانة، وحفظ الجار، ورحمة اليتيم، ولين الكلام، وبذل السلام، وحسن العمل، وقصر الأمل، ولزوم الإيمان، والتفقه في القرآن، وحب الآخرة، والجزع من الحساب، وخفض الجناح، ونهاه عن أن يسب حكيمًا، أو يكذب صادقًا، أو يطيع آثمًا، أو يعصي إمامًا عادلاً، أو يفسد أرضًا، وأوصاه باتقاء الله عند كل حجر وشجر ومدر. أوصاهُ كما أوصى غيرهُ من دعاةِ الخير ورُسِل العقيدة بكل معاني تربية النفس، و معالم تهذيبها، والارتقاء بها. و شخصية لها هذه الصفات كيف يقابلها الآخرون..؟!!، وما هو تأثيرها ولو لم تتكلم..؟!!، ولو لم تعتلي المنابر..؟!!، وتتحدث في المؤتمرات والقنوات..؟!!. حقاً "إن لله رجالاً أحيوا الحق بذكره، وأماتوا الباطل بهجره". كان الحسن البصري إذا دخل السوق ترك المسلمون تجارتهم، وقالوا: لا إله إلا الله، وذكروا الله كثيرًا، بل قال أحد تلامذته: إن الرجل لينتفع برؤية الحسن البصري حتى لو لم يسمع كلامه ولم ير عمله..!! والإسلام من مبدأ دعوته، أرسى القواعد الأساسية، والأحكام الشرعية، و اعتنى عناية خاصة بجانب الأخلاق والعلاقات الإنسانية، فهو يشيع بين الناس أواصر الرحمة، والحب والتسامح، والفضل، والتعاون، ومراقبة الضمير، وخشية الله، إلى غير ذلك من المعاني الكريمة، ورتّب عليها الأجر والثواب والفضل والمنازل الرفيعة، وتلك هي أدوات الدعوة الميدانية الناجحة. والشباب يحتاج لرؤية نماذج صادقة مع ربه، تتحلى بالأخلاق الكريمة، يخرجون إليهم ويتعاملون معهم بالأخلاق الحسنة فيحببوهم في الاستقامة، ولسان الحال كما نعلم أبلغ من ألف ألف مقال..!! ليست العبرة في كم يسمعون من الكلام، أو كم يقرؤون من الكتب، إنّما العبرة في إتباع أحسن الكلام وتطبيقه ولو كان قليلاً، { أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب } ، وما أحوج الأمة لأمثالهم. يقول أبو الأعلى المودودي: " إن رسالتي إلى المسلمين هي أن يفهموا تلك المسؤوليات ويطلعوا بها. فما هي هذه المسؤوليات؟ ،ليس فقط الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وليست هي فقط أن تقيم الصلاة وتصوم رمضان وتؤدي الشعائر،وليست هي أيضاً أن تقيم أصول الإسلام فيما يتعلق بالزواج والطلاق والميراث، بل هناك فوق كل هذا مسؤولية ضخمة ملقاة على عاتقك، وهي أن تقف شاهد حق أمام الدنيا كلها { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً } . وقال تعالى: { ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله }، والشهادة المطلوبة من المسلم، قولية وعملية، أما الشهادة القولية فهي أن يقوم المسلمون بإيضاح الحق واستعمال كافة الوسائل من أجل تثبيت هذا الحق في القلوب. وأما الشهادة العملية فهي أن نطبق عملياً في حياتنا الأصول التي أمرنا الحق به، فلن توافقنا الدنيا على الحق لو ذكرناه بألسنتنا، بل يريدون أن يروا محاسن وبركات هذا الحق داخل حياتنا، يريدون أن يروا هذا بأعينهم، يريدون أن يتذوقوا حلاوة الإيمان التي تظهر في سلوكنا الأخلاقي، يريدون أن يروا كيف أن هداية الدين خلقت إنساناً طيباً، وأقامت مجتمعاً صالحاً، وحضارة طاهرة شفافة وشريفة. وكيف أنها طورت العلوم والآداب والفنون على خطوط صحيحة سليمة، وكيف ظهر التعاون الاقتصادي بين الناس، وكيف سمت الحياة الاجتماعية ". ا.هـ. لذلك نريدكم يا أهل هذه الملّة؛ علمٌ وعمل، دينٌ و خلُق، تعاونٌ وبرّ وحبّ للخير لكم ولغيركم، نريدكم أدوات دعوة متحرّكة في أي مكان وُجدتم، تنطق ألسنتكم وأعمالكم وعلاقاتكم بخُلق الإسلام و خيريته، والله لا يضيع أجرمن أحسن عملاً. لنتذكّر دائماً { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم }، و لنقيّم أنفسنا ولنقوّم معوجّها ولنصل بها لأعلى مراتب الكمال كما أراد لنا هذا الدين..! | |
|